top of page

...الأسطي بلية

  • Writer: Dr. Samir Ghoweba
    Dr. Samir Ghoweba
  • Sep 2, 2019
  • 2 min read

ree


دعيت إلى البحرين لحضور أول مؤتمر طبي عربي باللغة العربية، وتمنيت أن تكون فاتحة لمؤتمرات أخرى بلغتنا ألأصليه التى ضيعناها، وسرعان ما صدمت وأنا أشاهد كبار المتحدثين يتلعثمون فلا يقاومون التحدث باللغة العربية المطعمة بالإنجليزية، بل فشل منهم كثيرون في إيصال بعض أفكارهم باللغة الأم، فيضطر بعضهم إلى استدعاء مقاطع بال...إنجليزية ليترجمها بلغة عربية ركيكة، وتأكدت عندئذ أن ما نعايشه من انفصام علمى مازال علاجه بعيد المنال، واستمر المؤتمر.. ولحقت بمحاضرة لأستاذة جامعية مصرية، حرصت خلال سيرتها الذاتية التى قرأها رئيس الجلسة على إبرازعضويات فخرية وغيرفخرية في منظمات حكومية وغير حكومية وكلها تهتم بشؤون الطفل العربى، كما تعكس سيرتها- ضمنيا- ما تتمتع به من صلات بالشخصيات المهمة.. إمتضعت ثم تفاءلت قليلاً..فقد كان موضوع محاضرتها عن "صحة أطفال ورش السمكرة " وأصارحكم أننى قاومت كثيرا، وأنا أدفع عنى نوبات النعاس ، بينما كنت أنصت لما تقوله وتعاملها مع هذه الظاهرة كواقع مسلم به ثم اقترحت في نهاية حديثها وجبة ساخنة لكل طفل يعمل في ورش السمكرة !!..ساعتها لم أستطع مقاومة التدخل معقبا، وأنا أكتم غيظى، وموضحا أن هؤلاء الصبية "بلية ورفاقه" هم ضحايا التفاوت بين مجتمع من يملكون ومن لا يملكون، فقد انطلقوا إلى الشوارع ليساعدوا أنفسهم وذويهم ، فلا يجدر أن تتعامل الباحثة مع عمل هؤلاء القصر كأمر طبيعى وضروري للاعتماد على النفس، وأن ما يشغلها صحتهم وسوء تغذيتهم، وتجاهلت أن تقديم وجبة لهؤلاء الأطفال هو دعوة ضمنية لكثير من الصبية الفقراء للانضمام إلى عالم "الأسطى بلية"، وتجاهلت أن عمل هؤلاء الأطفال ليس فقط خرقا لقانون البلاد بل خرق للقانون الدولى، ومجتمعاتنا لا تحلم بوجبة ساخنة أو كوب لبن يقدم لهم بل تنشد تشريعا يجرم عمل هؤلاء الذي يعد وصمة تشين أي مجتمع! ومشكلاته الصحية لن تحلها وجبه ساخنة، فهؤلاء الصبية هم أقل نموا وأقصر طولا وعمرا من أقرانهم، وما يتعرضون له من مخاطر لا تحصى وأبسطها المبيدات والسميات، والتشوهات لأجسادهم غير المهيأة لهذه الأعمال من غسيل أو صيانة سيارات. بل منهم من يخدم في المنازل أو يسقطون ضحايا للمخدرات.

والأرقام تؤكد أن هناك 15مليون طفل عربي يعملون، بعدما سقطوا ضحايا للعقوبات في العراق والصراع المسلح في الصومال والسودان والجزائر وضغوط الحياة والفساد في مصر ولبنان والأردن واليمن، وكل يوم ينضم إلى أطفال الشوارع الآلاف من المتشردين الذين يجوبون الشوارع ليلا ونهارا وقد يشكلون خطرا على المارة لانحرافهم وهم ليسوا يتامي أو لقطاء بل لهم أسر تصدعت تحت وطأة الطلاق والعنف والفقر.

وأطفال العائلات الفقيرة في بلادنا يفقدون آباءهم مبكرا، ويهتم بهم أشقاؤهم الكبار فما أن يصبح أحدهم قادرا على المشى حتى ينطلق إلى الشوارع والأزقة، فيكدون في الحقول، ويجمعون الحطب ويعملون في المخابز والأفران، ورغم غياب إحصاثيات دقيقة عن عمالة الأطفال في بلادنا إلا أن الصورة تبدو قاتمة، ومن السهل أن تنتقد هؤلاء الذين استغلوا براءتهم، ولكن يجب الوصول إلى جذور المشكلة، وملخصها أن ذوي هؤلاء الصغار مجبرون على تشغيلهم للبقاء على قيد الحياة.. والطفولة معذبة في بلادنا.. وأنهكها الفقر، ورغم ذلك فإن بعض الأفراح في مجتمعاتنا تستهلك في الليلة 150 ألف وردة ... دعونا نفكر كيف نقنع الأسر الفقيرة التى دفعت بفلذات أكبادها إلى العمل ويجهلون ما يعمله ذلك من عدوان على نفسيتهم وصحتهم وسلوكهم، كيف نقنعهم بأن يضعوا بهذا المال الذي جمعته هذه الأجساد الضعيفة؟ والآن بعد الثورة الفاتحة من يقدم لنا برامج لاحتواء ظاهرة أطفال الشوارع والورش؟ كيف نحتويهم وندمجهم مرة أخرى بيننا ثم نحولهم إلى مواطنين صالحين؟ كيف ننهي عمالتهم وعذابهم ونعيدهم إلى المدرسة؟


د.سمير غويبه

نشرت بمجلة المراة اليوم

Comments


bottom of page