top of page

....أطفال سوريا

  • Writer: Dr. Samir Ghoweba
    Dr. Samir Ghoweba
  • Sep 2, 2019
  • 2 min read

ree

توسطت الشمس كبد السماء، وارتفعت معها حرارة الجو واللعب .. كنا نمرح ونلعب مثل كل الأطفال .. فجأة اهتزت الأرض بعنف تحت أقدامنا.. وارتفع عمود من الدخان الأسود من ساحة المطار القريب .. ثم ظهرت في السماء طائرة رمادية على ارتفاع منخفض .. عائدة من مهمة مميتة .. صرخت بنا الأمهات وهن يجمعن - على عجل – الثياب من الشرفات .. وخيم الصمت العميق رويدأ رويدأ على مدينتنا الصغيرة .. التي بدأت منذ تلك اللحظة حكايتها مع الحرب .. سبع سنوات كاملة بين يونيو 67 وأكتوبر1973. تحولت مدينتي "الإسماعيلية" إلى مدينة للأشباح . عادت بي الذكريات إلى هذه الأيام الكئيبة وتمنيت ألا تتكرر وأنا أشاهد هذا القصف الأحمق لمدن سوريا.. تذكرت أيام النكبة التي طبعت بصماتها على طفولتنا.. فتملكني الحزن من أجل أطفال سوريا الذين تحولت بلادهم بلا استثناء إلى أرض عمليات .. وصاروا هدفا للقصف المجنون والطلقات الطائشة ، ولا يمكنك أن تلفي من ذاكرتك مشاهد الطفل السوري الذي لم يتبق من رأسه سوى فروة رأس ، بعدما انتزعت شظية مجنونة كل جمجمته ..!

أو ذلك الطفل المسكين الذي كان ينظر في استسلام لأحشائه ترقد بجواره وغيرها من مشاهد مؤلمة لجثث القتلى وقد شوهتها القذائف وطلقات الرصاص المحرمة دوليا ولا شك في أن أطفال سوريا يعيشون أزمة حقيقية وحياة يومية ممزقة بين سيارات الإنقاذ التي تجلجل في الشوارع ، وصيحات الألم تحت أنقاض المنازل .. من جراء القصف المجنون .. والدمار في كل مكان . وأطفال الحروب في بلادنا.. أكثر عرضة للاضطرابات الشخصية وهم يشاهدون ذويهم يهربون في فزع من القصف العشوائي، والآباء هم حصن الأمان ورمز القوة ، ورؤيتهم مذعورين ، هذه المشاهد تحطم هذه الصورة القوية لدى الطفل وتسلبه الشعور بالطمأنينة والأمان .. في حالة من الانكسار الداخلي.. أطفال الحروب يتملكهم الخوف العام وغموض المستقبل والقلق الذي يلقي بظلاله عليهم فتفترسهم أمراض نفسية حادة .. وأتذكر هنا أبحاث علماء الغرب حول ما أصاب أطفال سان فرانسيسكو من اضطرابات نفسية حادة ، أو أبحاثهم حول ما أصاب أطفال ايرلندا بعد معارك بلفاست جراء بطش القوات الخاصة .. وما عانوه من نوبات هستيرية وبكاء وقلق وتبول لا إرادي.

فإذا كان هؤلاء هم أطفال الخوف فماذا يكون مصيرهم عندما يخطون على عتبة الرجولة ؟ ومتى يصمت حكماء الغرب والعالم الحر، ومصير أطفال سوريا يرسمه زعيم لا يستمع لنداءات السلام .. وتتسم تصرفاته بالطيش والانفعال .. مصائر أطفالنا تقودها شخصيات مدمرة تختفي وراء نظام قمعي بشع!

متى يظل مستقبل أطفالنا نهباً لمطامع زعماء مرضى يحكمون العالم .. ويتحدونه على نحو يذكرني بقول الطاغية كاليجولا "فليكرهوني.. لا بأس ما دامت قلوبهم تمتلئ بالخوف مني". إلا أنني أرى واثقا أن للخوف نهاية محتمة .. لسبب واحد لا يقبل المناقشة وهو أن إرادة الله أكبر من كل الطغاة.


د. سمير غويبه

Comments


bottom of page