لست وحدك
- Dr. Samir Ghoweba

- Aug 17, 2020
- 3 min read
Updated: Aug 18, 2020
في إحدي الإستراحات الخضراء الممتدة على ضفة القناة ، وبالتحديد في مدينتي الإسماعيلية الجميلة، تشرفت قبل سنوات بلقاء الشيخ متولي الشعراوي - رحمه الله - ، وقتها كنت أسعى أن يكتب لي تقديماً لكتاب قمت بتأليفه، وسألته عن أمراض نقص العفة، فلخص فضيلته أسبابها بعبارة بليغة قائلأ: "إن تعدد ماء الرجال في وعاء واحد هو نبع الأمراض الخطيرة !"، وبذلك قصد أن الدعارة والشذوذ هما آفتا هذا العصر، وأتذكر كيف دعا فضيلته للعاصين من ضحايا الإيدز بالهداية والمغفرة ، ولم يطالب مثل آخرين برجمهم!، والإيدز في النهاية مجرد مرض، وليس عقابا ربانيا كما صوره الكثيرون في البدايات!.
وعلى درب الشيخ كان مانديلا- كما عرفه العالم -عظيماً في سجنه، نبيلاً في حريته، فوجدناه يزور "أيقونة الكفاح من أجل الحياة"، الصبي المحتضر " نكوسي جونسون"، والذي أصبح رمزاً للمرض في أفريقيا حيث يعيش الملايين من ضحايا الإيدز، فلقد مس "نكوسي" القلوب وألهب مشاعر الملايين وصار سفيراً لشعبه، و قاهراً لليأس بين من المصابين بعدما أصبح صرخة جماعية في إطار معركة بلاده ضد الإيدز.
المثير الآن هو أن مرض الإيدز لم يعد "حكماً بالإعدام" والمصابون تكتب لهم أعمار جديدة، نعم لم يصبح الإيدز بعد اليوم "مرض موت" إذا حصل المريض على العقاقير الحديثة التي نجحت إلى حد كبير في تقليل سمية الأدوية القديمة، لذا لم يعد هناك ثمة مبرر للتمييز الواقع الذي يتعرض له الضحايا!.
ولكن يبقى التحدي الحقيقي في توفيرهذا الدواء للمرضى الفقراء أمام هيمنة الشركات المستأثرة بدواء "الإيدز"، بما يناسب قدراتهم، حيث إن الأرقام تؤكد أن ثلث المرضى في الدول النامية هم الذين يتلقون علاجاً للإيدز، فمتى يعلم المتاجرون بالدواء أن الناس قد تستغني عن الخبز أحيانا ولكنها لا يمكن أن تستغني عن الدواء؟..
وأزعم أن مشكلتنا الرئيسة- بعد كل هذه السنوات- مازالت تنحصر في جهلنا بحقيقة المرض، فظهور مفاجئ لمتأيدز في أي مستشفى عربي كفيل بإثارة الرعب والهلع رغم أن وجوده لا يشكل خطرا على أي شخص، فقط الناس لا تعرف كيف ينتقل المرض!، ويؤكد ذلك أن نحو الثلث من طلاب كل جامعات مصر ليس لديهم معلومات عن الإيدز!.
وهنا أزعم أن طريق الوقاية من المرض يمكن أن يبدأ بحملات الفحص السري في جامعاتنا والتجمعات الأخرى.
والمؤلم في مجتمعاتنا العربية أن الازدراء والاضطهاد الاجتماعي يلحقا بالمجني عليهم من مرضى الإيدز، كباراً وصغاراً ، يتحاشاهم الناس فيحرمون من طفولتهم، و من الزواج إن امتد بهم العمر، ويفصلون من عملهم ، ويعيشون في وحدة بسبب وصمة العار التي لحقت بهم والتي ستظل تلاحقهم! .
وهو ما يدفعك الآن إلى السؤال ماذا جنينا من أعوام التمييز ضد المرضى؟ الجواب هو مزيد من الصمت ومزيد من الإصابة، نعم سنوات طويلة من التجريم على أساس المرض؟ وهي صورة ساهم في خلقها الإعلام ولكننا نحن من غذيناها، صورة ربطت بين الرعب والإيدز، والنتيجة هي أن ضحايا الإيدز في بلادنا يكابدون البطالة ، و يعيشون مأساة حقيقية تتمثل في عدم وجود وظائف تقبلهم! .
ولما كان الفيروس لا ينتقل عبر العلاقات اليومية العادية، فوجود المريض وسط الموظفين لا يشكل أية خطورة، فلماذا تخلو قوانيننا العربية من تشريعات تسمح لحاملي فيروس الإيدز بعمل يوفر لهم دخلاً للإنفاق على أسرهم في ظل مأساتهم الكبرى؟.
علينا أولا أن نقبل التعامل مع مرضى الإيدز ومنهم أطفال وأبرياء، وأن ننبذ فكرة سيطرت علينا لعقود وهي أننا أمام مرض لا يصيب سوى العصاة، فقط علينا التعامل مع الإيدز كمرض مزمن لا أكثر!
وعلينا ثانياً أن نساعد مريض الإيدز في أن يمارس حياته بصورة طبيعية تماما، نساعده أن يلعب ويضحك ويأكل وينام مثل أي شخص معافى، ثم نقول له " لست وحدك" ، ولن تموت اليوم حياً خوفاً من مجيء الموت!
ليتنا ندرك أن نفور المجتمع أشد قسوة من المرض، فقط علينا أن نكافح الإيدز لا المصابين به!.
سمير غويبه





Comments