لست وحدك
- Dr. Samir Ghoweba

- Sep 2, 2019
- 3 min read
في إحدي الإستراحات الخضراء الممتدة على ضفة قناة السويس الغربية، وبالتحديد في مدينتي الإسماعيلية الجميلة، تشرفت قبل سنوات بلقاء الشيخ محمد متولي الشعراوي - رحمه الله - ، وقتها كنت أطمع أن يكتب لي تقديماً لكتاب قمت بتأليفه، وسألته عن أمراض نقص العفة، فلخص فضيلته أسبابها بعبارة بليغة قائلأ "إن تعدد ماء الرجال في وعاء واحد هو نبع الأمراض الخطيرة !"، وبذلك قصد أن الدعارة والشذوذ هما آفتا هذا العصر،وأتذكر كيف دعا فضيلته للعاصين من ضحايا الإيدز بالهداية والمغفرة ، ولم يطالب مثل الآخرين برجمهم!، وهو في النهاية مجرد مرض، وليس عقابا ربانيا كما صوره الكثيرون في البدايات!
وعلى درب الشيخ كان مانديلا- كما عرفه العالم -عظيماً في سجنه ونبيلاً في حريته ، فوجدناه يزور أيقونة الكفاح من أجل الحياة الصبي المحتضر " نكوسي جونسون"، والذي أصبح رمزاً للمرض في جنوب أفريقيا حيث يعيش الملايين من ضحايا الإيدز، نعم مس "نكوسي" القلوب وألهب مشاعر الملايين وصار سفيراً لشعبه و قاهراً لليأس بين الملايين من المصابين بعدما أصبح صرخة جماعية في إطار معركة بلاده ضد الإيدز.
المثير الآن هو أن مرض الإيدز لم يعد "حكماً بالإعدام" والمصابون تكتب لهم أعمار جديدة، نعم لم يصبح الإيدز بعد اليوم "مرض موت" إذا حصل المريض على العلاج والعقاقير الجديثة التي نجحت إلى حد كبير في تقليل سمية الأدوية القديمة، لذا لم يعد هناك ثمة مبرر للتمييز الواقع الذي يتعرض له الضحايا.
ولكن يبقى التحدي الحقيقي في توفيرهذا الدواء للمرضى الفقراء أمام هيمنة الشركات المستأثرة بدواء "الإيدز"، بما يناسب قدراتهم، حيث إن الأرقام تؤكد أن ثلث المرضى في الدول النامية هم الذين يتلقون علاجاً للإيدز، فهل يعلم المتاجرون بالدواء أن بيوتنا قد تستغني عن الخبز أحيانا ولكنها لا يمكن أن تستغني عن الدواء..
وبينما تسيطر أنباء العشرات من أعضاء نوادي الملياريرات على واجهة صحفنا، يبقى هاجس "مونتانييه" الشهير عالمياً، وأحد كبار مكتشفي الفيروس، في وضع لقاح يسمح بحماية غير المصابين بالإيدز كما يسمح بعلاج حاملي الفيروس، فيظل حائراً، يستجدي عطفاً للتبرع بعشرة ملايين، بينما التمويل عالمياً يزداد في مجالات ليست ذات أهمية كبرى بالنسبة للبشرية! وأزعم أن مشكلتنا الرئيسة- بعد كل هذه السنوات- مازالت تنحصر في جهلنا بحقيقة المرض، فظهور مفاجئ لمتأيدز في أي مستشفى عربي كفيل بإثارة الرعب والهلع رغم أن وجوده لا يشكل خطرا على أي شخص، فقط الناس لا تعرف كيف ينتقل المرض!، ويؤكد ذلك أن نحو الثلث من طلاب كل الجامعات في بلد عربي كبير ليس لديهم معلومات عن الإيدز، وأغلبية السيدات في مجتمعاتنا يجهلن معلومات الوقاية والعلاج.
فإذا علمنا أن نحو 90 % من المرضى ومعظمهم من الذكور قد نقل إليهم المرض من خلال ممارسة الجنس المحرم ، سوف نكتشف مدى خطورة أن يجهل شبابنا حقيقة المرض، وطرق مكافحته ، وأهمها هو التبصير بمخاطر الإنحلال! وهنا أؤكد أن طريق الوقاية من المرض يمكن أن يبدأ بحملات الفحص السري في الجامعات، حيث إن إجراء الاختبارات هو الخطوة الأولى في مواجهة المرض.
والمؤلم في مجتمعاتنا العربية أن الازدراء والاضطهاد الاجتماعي تلحق بالمجني عليهم من مرضى الإيدز، كباراً وصغاراً ، يتحاشاهم الناس ويحرمون من طفولتهم، و من الزواج إن امتد بهم العمر، ويفصلون من عملهم ، ويعيشون في وحدة بسبب وصمة العار التي لحقت بهم وبذويهم والتي ستظل تلاحقهم!
وهو ما يدفعك الآن إلى السؤال ماذا جنينا من أعوام التمييز ضد المرضى؟ الجواب هو مزيد من الصمت ومزيد من الإصابة، نعم سنوات طويلة من التجريم على أساس المرض؟ وهي صورة ساهم في خلقها الإعلام ولكننا نحن من غذيناها، صورة ربطت بين الرعب والخوف والإيدز، والنتيجة هي أن ضحايا الإيدز في بلادنا يكابدون البطالة ونبذ المجتمع لهم، و يعيشون مأساة حقيقية تتمثل في عدم وجود وظائف تقبلهم! ، بينما يدور جدل شديد في أوروبا حول حق جهة العمل في رفض توظيف شخص مصاب بالإيدز، ويرى المنصفون أن منعه من العمل يمثل انتهاكأ لحقوقه.
ولما كان الفيروس لا ينتقل عبر العلاقات اليومية العادية ومن ثم فإن وجود المريض وسط الموظفين لا يشكل أية خطورة، فلماذا تخلو قوانيننا العربية من تشريعات تسمح لحاملي فيروس الإيدز بالعمل في القطاعات الحكومية والخاصة؟، وفي حالة ثبوت إصابة أي متقدم لشغل وظيفة فلا يجوز لجهة التعيين رفضه بوصفه غير لائق طبياً، ما يعني أن الإيدز لن يكون عائقاً أمام التعيين في الوظائف التي توفر لهم دخلاً للإنفاق على أسرهم في ظل مأساتهم الكبرى. علينا أولا أن تقبل التعامل مع المرض وأن ننبذ فكرة سيطرت علينا لعقود وهي أننا أمام مرض لا يصيب سوى المخطئين والعصاة، وهو ما ذهب إليه أخيرا "إعلان القاهرة للقادة الدينيين" في التعامل مع مرض الإيدز كمرض مزمن لا أكثر! لن نفعل مثلما حدث في بلدان إضطرت لبناء سجن للمصابين بـ"الإيدز".. بل حان الوقت لأن نصحح الكثير من المفاهيم الخاطئة التي سادت في مجتمعاتنا تجاه المرض ومن أصيب به.
وعلينا ثانياً أن نساعد مريض الإيدز في أن يمارس حياته بصورة طبيعية تماما، نساعده أن يضحك ويلعب ويأكل وينام مثل أي شخص معافى؟، ونقول له لست وحدك، ولن تموت اليوم حياً خوفاً من مجيء الموت! ليتنا ندرك أن نفور المجتمع أشد قسوة من المرض، فقط علينا أن نكافح الإيدز لا المصابين به!
دكتور سمير غويبه
نشرت بالمرأة اليوم






Comments