طبيب العائلة
- Dr. Samir Ghoweba

- Aug 31, 2019
- 3 min read
Updated: Sep 1, 2019

ركضت العائلة ولعدة أشهر وراء الفتاة التي أنهكها صداع مجهول ، لم يتركوا طبيبا مشهورا إلا طرقوا بابه .. أطباء الأنف والعيون بل وأطباء المخ والأعصاب . . رحلة عذاب مع الأطباء.. شملت العجز والكشف والعلاج وإعادة الكشف وفحوصات العين . . وحتى أشعة المخ .. ولم يرحل الصداع . . وتملكهم اليأس إلى أن تذكروا طبيب العائلة .. الذي حسم مشكلة الفتاة بإجراء فحص بسيط للدم . . أثبت أن الفتاة تعاني فقر الدم الذي سببته الطفيليات .. ثم وصف لها علاجا بجنيهات معدودة . . وتحقق الشفاء بعون الله . . ورحل الصداع .
ولعل هذه القصة توضح لنا الدور الحيوي الذي يقوم به طبيب الأسرة الذي يوجه مرضاه ويتابعهم منذ أول شكوى. . فلا يندفعون نحو ذوي تخصصات لا علاقة لها بشكواهم ، يلهثون وراءهم قبل زيارة طبيب العائلة المؤهل والذي يمكنه تحقيق الاكتشاف المبكر للمرض . ومفهوم طبيب العائلة في مجتمعاتنا العربية مازال قاصرا. . بينما تنعم أوروبا وأمريكا منذ أكثر من سبعين سنة بخدمات "طبيب الحي" الذي يمكنه التصرف في أكثر من90 في المئة من الحالات ، فاهتموا بإعداده وتدريبه وتأمينه ، فصارت عيادته تحتوي على كل صغيرة وكبيرة من تفاصيل حياة المريض ، وعلموه كيف يتعامل مع العائلة كوحدة واحدة . . من خلال ملف طبي شامل ، وعندئذ لا يمكن أن يهمل تفاعل أفراد الأسرة مع مرض أحد أعضائها . .
وتجربة طبيب الأسرة في الدول الغربية تعد ناجحة ومثالية بعدها أدركت هذه الدول أهمية دوره فأحسنت إعداده ووفرت له كل وسائل التعليم المستمر
مثل طفل في العائلة يصاب بالتبول اللاإرادي بعد أزمة نفسية مرت بها العائلة . . أو ذلك الرجل المسن الذي أحيل للتقاعد فتفجرت لديه فجأة آلام الالتهاب الروماتيزمي والاكتئاب .. وهي نتائج متوقعة للوحدة والعزلة المباغتة لكل الرجال المتقاعدين في بلادنا. . وطبيب الأسرة اليقظ يجدر به أن يمسك بكل هذه الخيوط في تخطيطه للعلاج . . وأن يدرك أن أي حالة مرضية أو اجتماعية كطلاق أو وفاة أو أزمة مالية قل تغلق توتراً ينعكس سلباً على أفراد العائلة . . ونجاح طبيب العائلة يحتم عليه أن يكون واعياً بالنسيج الاجتماعي للأسرة . . ومن ثم يجب أن يكون محل ثقة الجميع . . فهو الصديق قبل أن يكون الطبيب . . لأنه رفيق العمر والمستشار الخاص للعائلة . . فلا نتردد في إيقاظه ليلاً ليسعف عجوزاً من أزمة أو طفلاً محموماً ، وهو محل الثقة الذي تناقش معه بحرية مشكلات المراهقة أو إسراف الأب في التدخين ، أو سقوط أحد أبناء الأسرة في براثن الإدمان . . وتعاونه المخلص معك . . يسعفك في أقصي الأزمات . وبحكم وجوده بجوار الأسرة يمكنها التصدي للمرض في بداية الإصابة به لسهولة الاتصال به .. واستعداده لتقديم خدمة شاملة ومستمرة .
وتجربة طبيب الأسرة في الدول الغربية تعد ناجحة ومثالية بعدها أدركت هذه الدول أهمية دوره فأحسنت إعداده ووفرت له كل وسائل التعليم المستمر، بل أنشأت له درجة زمالة عالمية ، ففي إنجلترا لا يسح للطبيب بالممارسة إلا باجتياز تدريب مكثف في اختصاص طب العائلة يستمر ثلاث سنوات يتلقي خلالها الدارس تخصصات الطب المختلفة إلى جانب علوم الاجتماع والبيئة والوراثة وعلم النفس وغيرها. . وبذلك نجحت فكرة طب العائلة في الغرب ولا يمكن الاستغناء عنها. وهناك محاولات عربية في مجال إعداد أطباء العائلة ، وهي تجارب حملت بعض النواحي الإيجابية . . إلا أن أكبر تحدياتها تتمثل في ضرورة اهتمام وسائل الإعلام بتوعية الجمهور بأهمية دور طبيب العائلة . . ومفهوم هذا التخصص وحتميته ، فقد تعودنا ألا نذهب للطبيب حتي نمرض ، بينما يفترض العكس وهو أن نذهب إليه قبل أن نمرض .. فإذا طبقنا التجربة بعناية فسننجح في تخفيف الضغط عن مستشفياتنا ويتفرغ أساتذة الطب لعلاج الأمراض الصعبة . . ولا ينشغلون بعلاج الأمراض البسيطة .
بقي أن أذكر لك عزيزي القارئ أنه ورغم سعادتي بانتمائي إلى تخصص طب العائلة .. والدفاع عنه كلما سنحت لي الفرصة.. إلا أنني مازلت حائراً أمام ما تكرر معي مرات ومرات . . إذ يسألني الكثير عندما أعرفهم بتخصصي كطبيب للأسرة .. ماذا يعني هذا التخصص ؟ فأنتهز الفرصة وأعدد لهم مزايا طبيب الأسرة وأنه الصديق والرفيق وأنه يمكنه ويمكنه . . كما ذكرت لك سالفاً .. فإذا بمن أخاطبه يسألني في النهاية باهتمام بالغ :ولكن متى تتخصص يا دكتور؟!
د. سمير غويبه نشرت بالديوان






Comments