روبوت جراح
- Dr. Samir Ghoweba

- Sep 2, 2019
- 3 min read

بينما كانت الثلوج تنهمر، والرياح تزأر خارج منزلها في تلك البقعة النائية آخر العالم من ألاسكا.. تسلحت "ريتا فيرنز" بالكثير من الشجاعة .. فكزت على أسنانها، ورشقت بطنها بالسكين وصرخت كما لم تصرخ من قبل .. فلم يكن أمامها لإنقاذ حياة توأميها اللذين تعثرت ولادتهما إلا وسيلة واحدة هي: إجراء عملية قيصرية لنفسها، مستخدمة سكين المطبخ الحادة و احتضنت طفلتها الأولى بينما تستعد لإنقاذ شقيقتها التوأم. في هذه اللحظة توقف الزمن بالنسبة لها وأحست بألم لم تشعر بمثله في حياتها.. فالسبيل الوحيد لإنقاذ الطفلة الثانية هو أن تسير السكين في مجراها وتحدث جرحا يزيد عمقه على 20سنتيمترأ.. وإذا لم تفعل ذلك فستموت الطفلة وتموت الأم، وأنجبت ريتا التوأمتين بمساعدة ابنتها «دسيسيا» التي لا يزيد عمرها على ثماني سنوات .. وأدركت أن الوسيلة الوحيدة لإنقاذها هي إجراء عملية قيصرية لنفسها.. ولذلك طلبت من ابنتها إحضار سكين المطبخ ومقص وإبرة وخيط .. ورغم أن الألم ليست له ذاكرة، كما يقولون إلا أن ريتا سوف تظل تتذكر الألم الذي عانته في ذلك اليوم طوال حياتها. أجرت ريتا الجراحة لنفسها دون استخدام مطهر أو بنج وأنجبت وقطعت الحبل السري مثلما تفعل القطط .. وغطت التوأم ثم خاطت الجرح بالإبرة والخيط .. وسقطت مفشيا عليها.. من الألم والصدمة والنزيف.. وعقب الأطباء على ما فعلته قائلين : مهما كانت الزاوية التي ننظر منها إلى ما جرى فإننا سنخرج بنتيجة هي: إنها امرأة فريدة من نوعها.. وبعد نجاحها في الولادة ونقلها إلى المستشفى قالت ريتا: " في ألاسكا ينبغي أن تفعل ما ينبغي عليك أن تفعله في الوقت المناسب "، وهذا هو ما يطلقون عليه "الصراع من أجل البقاء" ، وعلى طريقة "ريتا" سار "ارنيستوفيلاريز" (55 سنة ) وهو عامل فلبيني أقدم على استئصال حصى المرارة من جسمه بنفسه ، باستخدام مقص وسكين .. وبعض أدوات المطبخ الأخرى.. وكانت مغامرة قام بها بدور المريض والجراح لولا أن الجيران أدركوه في اللحظة الأخيرة ونقلوه إلى المستشفى. وفي زيارته الأخيرة للمستشفى أخبره الطبيب بأنه ينبغي عليه إجراء عملية جراحية لاستئصال المرارة وإلا فإنها ستشكل خطرا على حياته .. وحينها لم يكن يملك تكاليف العملية فقرر إجراء العملية الجراحية بنفسه ( فهيأ مسرحا للجراحة في منزله .. وتذكر موقع الحصوة على الأشعة كما أشار له الطبيب .. وأمسك السكين وأحدث جرحا عميقا في بطنه تحت السرة .. دون أن يستخدم البنج .. وتدفق الدم بغزارة .. وشعر بآلام لا تطاق .. ومر الوقت بسرعة وكان عليه أن ينهي العملية قبل عودة زوجته وأولاده .. وأدرك أنه قد يموت من الألم .. وبعد جهد عثر على موقع الحصوة في المرارة ثم قطعها بمقص وأمسك الحصوة بين أصابعه لكنه لم يكن ذكيا مثل "ريتا" فقد سمي إحضار إبرة وخيط وسقط مغشيأ عليه ، ولم يصدق الأطباء ما سمعوه وأغلقوا جرحه ومنحوه مضادات حيوية ، حيث أصابته العدوى بسبب الأدوات نمير المعقمة .. ومهما كانت مبررات د. أرنيستودد فما أقدم عليه يعد حماقة بكل المقاييس .
ويبدو أن هذه الظروف الاضطرارية قد أوحت لعلماء فرنسا بتصميم "روبوت" جراح يتم تحريكه بالكمبيوتر استطاع القيام من دون مساعدة بست عمليات قلب مفتوح .. مما آثار غيرة زملائهم البريطانيين والذين استطاعوا لأول مرة إجراء عمليات جراحية على مرضى باستخدام ذراع كمبيوتري يمكن التحكم فيه من مسافات تبعد آلاف الأميال، ويراقب الجراحون سير العمل الجراحي من خلال شاشة ثلاثية الأبعاد حيث يقوم الطبيب بإدخال يديه في قفازي تحكم يرسلان تعليماته إلى ذراع "الروبوت" وهكذا لم تعد المسافات بفضل ما فتح الله على العلماء تشكل عقبة أمام الجراحة عن بعد.. وبقي أن أذكر لك عزيزي القارئ أن "الروبوت" الجراح كل جراحاته كللت بالنجاح .. ويعمل بأصابع تلف بالحرير كما يطلق الناس على المهارة .. كما أن خياطته المدهشة للجروح يعجز عنها أحسن جراح!
د.سمير غويبه
نشرت بالمرأة اليوم






Comments