top of page

يتيم مكة

  • Writer: Dr. Samir Ghoweba
    Dr. Samir Ghoweba
  • Jul 30, 2020
  • 2 min read

Updated: Jul 31, 2020


جلست أتأمل تلك الأضواء الخافتة التي بدأت تغمر جنبات المسجد العظيم وبيت الله المعظم ، معلنة إطلالة فجر يوم جديد على أطهر بقعة .. وبدأ عشرات الآلاف من المصلين ينسحبون في خشوع لمغادرة المكان .. إنها لحظة من أروع مشاهد العمر.. وتعلق بصري بذلك الرداء الأسود المهيب الذي يكسو ذلك البناء العظيم .. كعبته عز وجل .. سبحانك ربي لا أدري هل يطلع الفجر على ذلك البناء المعظم أم يشع النور منه ؟.. تلك أول مرة أرى رداء أسود يشع نوراً.. إنها الكعبة المشرفة ، زادها الله تعظيما وتكريما ومهابة .. وفجأة انتزعني من تأملاتي.. نحيب .. تعلو نبراته ثم تخمد.. ثم يعلو ويخمد نظرت إلى جانبي.. فإذا بشاب في الثلاثينات .. غمرت دموعه وجنتيه .. واحمر وجهه .. وعيناه .. وهو يجفف دموعه بطرف رداء الإحرام.. ملت نحوه مصافحأ ومخففا وقائلأ: تقبل الله يا أخي.. فتمتم بكلمات عربية فصحى تغلب عليها لكنة غربية .. فأيقنت أنه من ساكني أوروبا الغربية وبالتحديد فرنسا.. قلت مخففا مرة أخرى: أتشرفني بمعرفتك أخي الكريم؟ قال - وقد توقف عن البكاء: أخوك في الإسلام يوسف .. ثم تابع : أنا تلميذ البروفيسور رجاء الدين جارودي، والبروفيسور حميد الله في فرنسا، عندئذٍ أحسست بأن معي أحد المجاهدين .. أو تلميذ للمجاهدين في فرنسا، وأحد أبناء الجيل الذي يحمل اللواء في عقر دار السيطرة الصهيونية الإعلامية مواجهأ جهابذة العنصرية التي تمقت الإسلام وتحاول إجهاض مده العظيم في الغرب . بعدها كان هذا الصديق المسلم رفيق رحلتي التي استمرت نحو أسبوعين في رحاب مكة والمدينة المنورة .. ودعته في مكة ثم جمعتنا الصدفة الغريبة في الروضة الشريفة مرة أخرى.. فتواصلت محبتنا مرة أخرى، وسعدت برفقته ، وأكبرت إيمانه وصدق مشاعره .. وأيقنت من خلال تلك الرحلة عظمة الإسلام الذي بدأ غريباً وسيعود غريبأ.

وكم كنت مندهشاً لبكاء ذلك الصديق كان يبكي بإخلاص وليس تصنعاً.. بل يبكي بكاء القلوب .. بكاء الطهر والنقاء.. ولست أدري لماذا تذكرت وقتها قول ابن سيرين رحمه الله : "ما كان ضحك قط ... إلا كان من بعده بكاء"، وكنت في أولى خطواتي نحو مكة وفي المسجد الحرام .. أتأمل بكاء الحجيج وهم يتعلقون بأستار الكعبة .. فأستشعر البكاء.. وعندها أتذكر بكاء يتيم مكة وأشرف صبيانها.. ثم أشرف أنبيائها.. محمد الكريم الشفيع (صلى الله عليه وسلم ).. كم بكى ، فعلمنا أن نتطهر من أحقادنا وذنوبنا ببكاء الاستغفار.. كان كثير البكاء رهبةً وخوفاً، وهو الذي غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر.. كان يبكي ليخبرنا أن مصير العبد ومرجعه إلى الله مولاه الحق .. فما عدت أندهش لبكاء الحجيج ، فقد علمني بكاؤهم أن على العبد أن يخلف الدنيا وراء ظهره .. ويجيء ربه فردا كما خلقه أول مرة .. بلا أهل ولا مال ولا عشيرة .. فقط يحمل معه الحسنات والسيئات .. وهذا أول دروس الحج العظيم .. أن تأتي باكيا، فلا تفرح بموجود أو تحزن على مفقود.. عليك أن تأتي إلى حضرته مودعا دنيا لا يدوم نعيمها.. تستغيث برحمته مستعيناً فقط بالصبر والصلاة .


د. سمير غويبه

 
 
 

Comments


bottom of page