الفأر الأخضر
- Dr. Samir Ghoweba

- Sep 2, 2019
- 2 min read

بصحبة الصغار كنا نتهكم على العملاق الأخضر.. ومع الأيام يخبو هذا التهكم بعدما تلاعب العلماء بالجينات فنجحوا في اليابان في إنتاج فئران مضيئة باللون الأخضر، وتحقق ذلك بأن حقنوا بويضات الفئران بحمض نووي من قنديل البحر الذي يضيء في الليل..والمثير في هذا الكشف أنه قد تجنى ثماره إذ ا ما نجحوا مستقبلا- ولونوا الخلايا السرطانية فيتم تمييزها عن الأخرى السليمة فيسهل اصطيادها.
ولا شك في أن ما تحقق حتى الآن من إنجازات عملاقة في علوم الوراثة توجيه عبقرية راهب "مندل" كان يهوى الزهور وتأمل اختلاف ألوانها.. ثم صاغ تأملاته في قانون كان فتحأ لعلم الوراثة .. وبعده جاء فرانكلين وثلاثة علماء ففكوا أسرار الكروموسوم وجزيء دي إن إيه، ولغز صناعة البروتين والأنزيم .. ومنذ هذه اللحظة انطلق العلم من قمقم مغلق ليغزو كل أمورنا.. وما ترفض تصديقه الآن رفضا مطلقا ربما تقبله قبولا مطلقأ بعد عشر سنوات بعدما انطلق قطار عجائب الجينات .. حيث لا مستحيل بعد الآن، فقد صار عندنا دم بشري من شتلات التبغ .. وأعضاء بشرية من الحيوانات .. وأصبح التلاعب بالجينات سيد العصر والغلبة الفعلية لمن يملك أسراره، وكانت إحدى محطاته الكبرى هي مولد النعجة "دوللي" وبعدها توالت المفاجآت من عقاقير من نباتات لأمراض مستعصية، ومواد من حليب العنزة كمضاد للتخثر..ولقاحات من ورق الشجر، وأزعم أن هذه النظرة الوردية سوف تزدهر إذا نجحت الهندسة الوراثية في السيطرة على حشرات تنشر أمراضا معدية كالملاريا أو أخرى تتلفا المحاصيل بالأوبئة .. ولكن سرعان ما تتملك العقلاء نظرة مضادة تشاؤمية ويضعون أيديهم فوق قلوبهم خشية أن يلف الشيطان برؤوس من يعلمون بالسيطرة على الإنسان وطبائعه من خلال احتكار أسرار ما أنجز من خريطة الجينات البشرية وهي موضوع الساعة التي يتعجل العالم إنجازها، والى جانب هذه المخاوف فإن الرياح دائما لا تأتي بما تشتهي السفن فقد علقت مراقبة الأدوية الأمريكية تجارب العلاج الوراثي بعدما لقي شاب أمريكي حتفه إثر تجربة حقن خلالها بعلاج وراثي يعتما على فيروسات غير معدية تحاول نقل مورثات سليمة إلى الخلايا رغم أن الشاب كانت حالته مستقرة قبل العلاج بالأدوية ( وعزز هذه المحاذير ما أقدم عليه طبيب مصري يعمل في بريطانيا وأثار ضجة علمية بعد أن أعلن أول تجربة لتوليد أطفال يتم انتقاؤهم وراثيا وذلك بالاستفادة من خصائصهم الوراثية في إبقاء حياة أشقائهم المصابين بأمراض قاتلة. ورغم هذه المحاذير والمخاوف فإن قطار المفاجآت الجيني مازال منطلقا.. والرهان التاريخي الآن للأطباء الباحثين هو التوصل إلى زرع أعضاء بشرية طبيعية من جينات أعضاء بشرية تزرع وتربى في أجسام حيوانية ريثما تنضج ثم تستأصل وتزرع في الأجسام البشرية.
وبالإعلان عن اكتمال خريطة الجينات البشرية، فكت شيفرة الحياة من يوم الميلاد حتى يوم الوفاة .. أي صار في الامكان تجهيز سجلات جينية لكل شخص لتحديد الأمراض التي تصيبه لعلاجها أو منع حدوثها من الأساس، كما يمكن تجهيز أدوية تناسب كل حالة وتتلافى الأعراض الجانبية للأدوية الحالية وتقلل مخاطرها.. بل إن الخريطة ستساعد على اختفاء أمراض أنيميا الفول وأنيميا البحر المتوسط والثلاثيميا والقضاء على أمراض القلب والسرطان والسكر خلال عشرة أعوام!
ولا يفوتني إلا أن أصارحك عزيزي القارئ بما يضحكني ويبكيني، فنحن العرب لا ناقة لنا في الأمر ولا جمل، فلماذا نشغل أنفسنا بتجاوزات علم لم نملك نواصيه بعد؟ و لماذا نزأر للأمر وننظم عشرات المؤتمرات حول قضية الجينات والوراثة .. ونحن لم ننشئ معملا واحدا ويبدو والله أعلم أن القطار الأخير سيفوتنا كما فاتتنا كل القطارات، وستبقى الأمور في بلادنا معكوسة .. ما دام تجار المخدرات أكثر من تجار الفاكهة، وما دامت أجور الراقصات تتواضع أمامها أجور أكثرية العلماء!
سمير غويبه المرأة اليوم






Comments