top of page

اصحاب الفضل

  • Writer: Dr. Samir Ghoweba
    Dr. Samir Ghoweba
  • Jul 9, 2020
  • 2 min read

ree

أقسى مظاهر هذا الزمن الرديء هو ما يقوم به الأبناء بدافع الطمع إلى طلب الحجر على آبائهم الأثرياء وتكتظ الصحف العربية بنماذج العقوق والجحود والقسوة على من صنعوا منا رجالا ونساء وبذلوا كل رخيص وغال من أجلنا.. ثم ينالون مكافآتهم هجرا وتنكيلا وحجرا..

فقد رفضت محكمة مصرية دعوى رفعتها طبيبة للحجر على والدها المريض ومنعه من التصرف في أمواله ( وقالت المحكمة في تبرير حكمها: إن الإصابة بأمراض خطيرة أو مزمنة لا تجيز الحجر والوصاية طالما ظل العقل سليما والمريض مسؤولاً وفي كامل قواه العقلية .. وكانت الابنة الطبيبة قد طالبت في دعواها بالحجر على والدها المليونير المريض بشلل رباعي وتمكينها من التصرف في مستشفى وأرض يملكها بسبب عجزه .. غير أن لجنة طبية شكلتها المحكمة .. قضت بأن شلل الأب لا يمنعه من مباشرة أعماله لأنه في كامل قواه العقلية ، وهذا الجحود لم يكن متوقعا من طبيبة يجب أن تدرك بحكم مهنتها مدى ما قد يسببه هذا الإجراء القاسي من أثر مدمر على نفسية مريض يعاني مرضا حرجا ومقعدا .. وتزامنت هذه القضية مع ما حدث في قصة الباشا أو الوزير السابق الذي حصلت ابنته على حكم بالحجر عليه بعدما اضطرته ظروف الوحدة والعجز إلى أن يتزوج خادمته ، ومات الباشا قبل أن يستأنف الحكم ، ومعظم أبطال هذه القصص ينتمون إلى أسر شهيرة وطبقات مثقفة بل وقد ينتمون أيضا إلى أصحاب النفوذ ، وقد يلجأ بعضهم إلى الحجر على الآباء عندما يستشعرون بالخطر يهدد ميراثهم .

كما يلجأ آخرون إلى الحجر على آبائهم المسنين خوفا من استغلال الغير لهم أثناء شيخوختهم وضعفهم .. مثل هذا الابن الطامع الذي ادعى مرض أمه للحجر عليها والاستيلاء على الثروة بعدما فشلت محاولته الدنيئة باتهامها بسرقة خزينة والده عقب وفاته .. إلا أن أشقاءه أجهضوا مخططه الجاحد، ورخصت النيابة طلبه وأقرت بسلامة عقل أمه وقدرتها على إدارة أموالها بنفسها.

وفي عالم الفقراء قد يكون الدافع إلى الحجر هو الطمع في معاش زهيد يعتمد عليه العجوز ويفنيه عن سؤال الناس . . بل ولا يتورع العاقون عن الإساءة إليهم بالضرب والهجر ودعاوى الحجر طمعا في أموالهم ..

ولكن يبقى السؤال المؤلم .. كيف هان على الأبناء هؤلاء الضعفاء الذين لا تربطهم بالحياة سوى عصا خشبية يستندون عليها في رحلتهم المريرة مع الحياة .. طمعاً في دراهمهم وقروشهم التي حتمأ ستعود إليهم بعد رحيلهم هل يستحقون منا كل هذا الظلم ، وهم الذين تباروا في تدليلنا وتعليمنا والعطف علينا طول العمر وصنعوا منا رجالاً..

وما الذي أصاب الناس ودفعهم إلى اتهام أعز الحبايب بالجنون من أجل المال؟

كيف كسرنا أجنحة الذل وارتضينا لهم أن يساقوا مكبلين ليقذف بهم في غياهب المصحات مع المجانين ؟ كيف هانت علينا أواصر الرحمة وروابط الدم وذكريات السنين ، فتحالفنا مع الشيطان وقررنا القتل البطيء بالحجر على منابع البركة وأصحاب الفضل علينا.

يا زمن العجائب .. ماذا تحمل لنا بعد....؟


سمير غويبه


لوحة الفنان على نعمه

 
 
 

Comments

Couldn’t Load Comments
It looks like there was a technical problem. Try reconnecting or refreshing the page.
bottom of page